الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة سري للغاية.. ملفات وتحقيقات ممنوعة مــن البـث علـى القناة الوطنية: مافيا الآثار وهبـات متــبـخـرة وصفقات مـــثـيــرة للجــــدل

نشر في  07 ديسمبر 2016  (11:18)

 قطع مجال حرية الاعلام في تونس أشواطا محترمة بعد ثورة 14 جانفي، حيث بات بالامكان الحديث في المسكوت عنه، وفضح جل التجاوزات والانتهاكات ـ  أو هكذا اعتقدنا ـ، لكن يبدو أن بعض وسائل الاعلام لم تتخلص بعد من عباءة الماضي وخوفها والأدهى أن البعض منها يحاول وضع قيود ذاتية، ويفرض صنصرة دون موجب ولعل ما عاشته هذه الوسائل من ارتهان طيلة سنوات الجمر، جعل عملية التخلص من كل تلك التبعات أمرا في غاية الصعوبة، ففي مؤسسة التلفزة التونسية على سبيل المثال ورغم تعاقب المسؤولين منذ 14 جانفي فإن قاسما مشتركا جمعهم وهو الخوف من بعض الحقائق واللجوء للصنصرة تفاديا للمشاكل والعواقب الوخيمة جراء الانفراد باشهار هذه الحقائق والوقائع التي حققت فيها الطواقم الصحفية للتلفزة التونسية على غرار ما تعرضنا له منذ مدة حول «الصندوق الأسود» والذي لم يفتح الى اليوم رغم تعهد المدير العام آنذاك مصطفى باللطيف بفتحه.

ولعل ما جرنا الى فتح هذا الموضوع هو ما بلغنا من كون رشاد يونس آخر مدير عام قبل الياس الغربي وبعد قيامه بخلاص عقد انجاز 10 تحقيقات مع  شركة «ب.ب برود» لفائدة برنامج «ملفات ساخنة» بقيمة 95 ألف دينار اكتفى بتسلم خمسة تحقيقات فقط وقد يكون تنازل عن الخمسة المتبقيّة بعد ان تم ايقاف البرنامج وحجب التحقيقات المنجزة بسبب خطورتها وتناولها ملفات فساد واهدار مال عام، وهو ما تطرقنا اليه في العدد الفارط، ونواصل في هذا العدد التطرق الى نفس الموضوع، خاصة بعد ان اطلعنا من خلال من أسرت لنا به بعض المصادر الخاصة، على فحوى التحقيقات الممنوعة من البثّ ...
أشرنا الى أن المدير العام السابق رشاد يونس اتفق مع شركة «ب ب برود» على انجاز 10 تحقيقات مقابل 95 ألف دينار، وتسلمت مؤسسة التلفزة التونسية كدفعة أولى 5 تحقيقات استقصائية حول مواضيع مختلفة، لكن وبمجرد اطلاع المدير العام على فحواها، وعلى خطورة المعلومات التي تضمنتها، قام بتسديد ثمن تلك التحقيقات الخمسة اي 45 الف دينار، واعتذر من شركة بعد ان قام بالغاء العقد، كما تم اخفاء تلك التحقيقات الاستقصائية ومنعها من البث، مع العلم ان عددا ضئيلا جدا من أبناء التلفزة اطلع على فحوى ذلك العمل الصحفي الذي اشرف عليه عدد من الصحفيين .

تحقيق حول مافيا الآثار ..

من بين التحقيقات الممنوعة من البثّ نذكر حلقة خاصة بمافيا الآثار في تونس، وقد أورد التحقيق تفاصيل هامة حول سرقة الآثار والاستيلاء عليها مع ذكر أسماء المورطين، كما تعرض هذا التحقيق الى اسماء الشركات غير المرخص لها والتي تعنى ببيع آلات التنقيب بطريقة غير قانونية .
ومن المعلومات الأخرى التي رصدناها، تعرض التحقيق المذكور الى عمليات نهب آثار متحف باردو، واعتماد جهات معينة تم ذكرها الى تعطيل آلة السكنار بالمتحف حتى يتسنى للناهبين تهريب آثار نادرة وتعويضها بأخرى مطابقة للأصلية، وجاء في التحقيق أن أكثر من 395 قطعة آثار قد فقدت من خزينة المتحف، رغم كون هذه القطع الأثرية مدونة في الريبرتوار الخاص بالمتحف، ونظرا لعدم المراقبة لم يتم التفطن الى هذه العمليات الخطيرة التي اضرت بتاريخ البلاد، كما سعت هذه المافيا الى تعويض القطع الأصلية بأخرى مزيفة من الصعب جدا التفطن اليها، وهو ما يفرض على الجهات المسؤولة فتح تحقيق جدي في الموضوع، لأن سلطة المال ورجال الأعمال والعصابات المنظمة نهبت كل ذاكرة الوطن، وهنا نشير الى أن تونس تملك بحسب بعض الخبراء، اهم مجموعة اثرية رومانية في العالم تضم نحو 30 الف قطعة موزعة على متاحف اضافة الى مواقع اثرية بعضها مدرج ضمن التراث العالمي، ونذكر بأن تونس فقدت قطعا اثرية نادرة موجودة اليوم بمتاحف عالمية.

ما قصة صفقات؟

وذكرت مصادرنا أن من بين التحقيقات الممنوعة من البث والتي تم اخفاءها، تحقيق خاص برئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، المتعلقة به قضية شبهة صفقات، حيث أعلنت وزارة الفلاحة في ذلك الوقت عن مناقصة لرقمنة عملية الاتصال باسطول الصيد البحري، واشارت مصادرنا الى أن تلك المناقصة رست على شركة تونسية، التي انطلقت في ربط الاسطول بالاقمار الصناعية، في الأثناء برزت شركة منافسة، وانطلقت هي الاخرى في انجاز المشروع المذكور دون مراعاة للمواصفات التي وضعتها وزارة الفلاحة، ونظرا لعدم قانونية هذا الاجراء عبرت الشركة الاولى عن غضبها واستنكارها، وحسب ما بلغنا من اخبار، فقد تدخل الشاهد والغى المناقصة الأولى، ليعلن عن مناقصة جديدة رست على الشركة الثانية..
وافادتنا مصادرنا أن الشركة الاولى وبعد ان خسرت المناقصة الثانية التي اعلنها يوسف الشاهد، عمدت الى الالتجاء للقضاء ورفعت قضية ضد الشاهد بتهمة شبهة صفقات.
وباتصالنا بمصدر من وزارة الفلاحة ذكر أن كل ما في الأمر أن المشروع تم على 3 اجزاء، وأن المناقصة رست فعلا على شركة معينة في البداية، لكن وبحكم كبر المشروع، أعلن الشاهد عن اجراء مناقصة ثانية للجزء الثاني من المشروع والتي لم ترس على الشركة الاولى بل على شركة اخرى، وذكر مصدرنا ان القضاء بت في الموضوع وتم اجراء مناقصة ثانية بطريقة قانونية .
معلومات اكدها لنا مصدر من رئاسة الحكومة، حيث ذكر ان المناقصة الاولى تمت قبل الثورة، ونظرا لانها لم تنفذ بطريقة قانونية، أعلن الشاهد بعد الثورة اعادة المناقصة من جديد، وهو ما اثار حفيظة الشركة الأولى ودفعها الى مقاضاة الشاهد لكن القانون لم ينصفها.   
وفي هذا الصدد نشير الى أن الاعلامي زياد الهاني دوّن بتاريخ 23 سبتمبر 2016، على صفحته الرسمية بعض الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع والذي سبق لأبناء التلفزة ان اشتغلوا عليه، لكن الادارة ارتأت عدم بث التحقيق، حيث كتب الهاني :»رئيس الحكومة يوسف الشاهد متهم في قضية شبهة فساد عندما كان كاتب دولة للصيد البحري بوزارة الفلاحة.
تعليمات وكيل الجمهورية السابق اقتصرت على سماع الممثل القانوني للشركة الشاكية واستثنت يوسف الشاهد
الإدارة الفرعية للأبحاث الاقتصادية والمالية المتعهدة بالملف ختمت الأبحاث وأحالتها إلى العدالة منذ 25 فيفري 2016، والحبيب الصيد تم إعلامه رسميا منذ 7 مارس 2016 دون أن يفعل شيئا!!

سيادة فرنسية على السباخ التونسية

من جهة أخرى أنتجت شركة «ب ب برود» تحقيقا حول «الملح» في تونس، وعمليات نهب الملح التونسي منذ سنوات من قبل شركة «كوتيزال» وهي شركة فرنسية تمتلك كامل الأحقية في استغلال السباخ التونسية دون غيرها، ويذكر ان تاريخ امضاء اتفاقيةاستغلال هذه السباخ تم امضاؤه بين تونس وفرنسا منذ فترة الاستعمار، ومازلت هذه الاتفاقية سارية المفعول الى يوم الناس هذا، ومن النقاط الاخرى التي تعرض اليها التحقيق اضرار هذه الشركة الفرنسية بملك الدولة العام حيث لا تراعي في عملية استخراجها واستغلالها للسباخ الاراضي التونسية، على غرار واحات الزيتون بجرجيس .
وتستغل أكثر من شركة أجنبية السباخ المنتشرة في أنحاء متفرقة من تونس، ومن أهمها الشركة العامة للملّاحات التونسية (الكوتزال) وهي شركة فرنسية، برأسمال مال تونسي35 بالمائةوأجنبي 65 بالمائة.
وأنشئت الشركة عام 1949، وفي أكتوبرمن نفس العام، تم إبرام عقد استغلال «الملك البحري» في تونس (مجموعة السباخ المستغلة لإنتاج الملح) أو ما يعرف بعقد «اللزمة»
وتعمل الشركة العامة للملاّحات التونسية في أربع مناطق، بينها سبخة جرجيس.
وبحسب وزارة الصناعة التونسية، فإن هذه الشركة هي الوحيدة التي لا تخضع لـ«مجلة المناجم» (قانون ينظم عملية استغلال الثروات الطبيعية في تونس)، بحكم أنها بدأت عملية الاستغلال الارض قبل الاستقلال التونسي (سنة 1956)، وبهذا أصبحت غير ملزمة بقوانين استغلال الثروات المتبعة مثل بقية الشركات.
ويقضي الاتفاق المبرم بين الطرفين إلى استغلال الشركة لسباخ تونس مقابل فرنك واحد للهكتار، ورغم ارتفاع ثمن الهكتار مع مرور السنين، إلا أن الاتفاقية ما زالت جارية دون أي مراجعة.

هبات أجنبية لصيانة البيئة في خبر كان

ومن المواضيع الأخرى التي تم تسليط الضوء عليها، وكان من المزمع عرضها ضمن برنامج «ملفات ساخنة» على القناة الوطنية، موضوع يتعلق بهبات منحتها منظمات من خارج تونس لصيانة البيئة، وبعث مشاريع من شأنها الحفاظ على سلامة البيئة، لكن هذه الهبات تبخرت، وبقيت المشاريع معطلة، حيث لم يتم انجاز أي مشروع من المتفق عليه، على غرار مشروع الكواسر البحرية بجهة حمام الأنف، وجميعنا يعلم المشاكل البيئة التي تعاني منها هذه الجهة، حيث بقى هذا المشروع وهميا ومجرد حبر على ورق، اضافة الى مشروع خاص بمصب النفايات بجبل برج شاكير، حيث نعلم أن مأساة أهالي برج شاكير بدأت منذ أكثر من 15 سنة بسبب المعاناة الصحيّة للسكّان من مصبّ النفايات. هذه البلدة التي تضم سكان العطّار، برج شاكر، الجيّارة وسيدي حسين، فهذا المصب انشئ سنة 1999، ويعتبر أكبر مصب نفايات في تونس الكبرى، حيث يمتد على أكثر من 120 هكتارا، ويستقبل المصب يوميا ما يتراوح بين 2700 و3000 طن من النفايات وهو ما أفرز وضعية بيئية سيئة للغاية في منطقة العطار تحديدا، وكان من المنتظر ان يتم انجاز مشروع لتفادي هذا الخطر البيئي، لكن الجهات التونسية تسلمت الأموال، ولم ينجز المشروع الى اليوم.
كما تطرق هذا التحقيق الى ملف معمل الحلفاء بالقصرين، والغازات السامة الصادرة منه، والتي أثرت على سكان الأحياء المجاورة، حيث تم مؤخرا نقل أهالي حي بأكمله الى الاستعجالي، نتيجة تسرب الغازات السامة، أمام صمت قاتل من الجهات الرسمية .

 هرسلة المبلغين عن الفساد والرشوة

أما التحقيق الخامس والأخير فتعلق بالمبلغين عن الفساد والرشوة، ووضعيتهم الحالية، حيث سلط التحقيق الاضواء على ما تعرض اليه هؤلاء من ظلم وقمع وتجميد ونقل تعسفية وطرد اضافة الى الاعتداءات المادية التي تعرضوا اليها نتيجة تبليغهم على حالات فساد ورشوة، مع العلم ان القانون يحمي هؤلاء .
ومن الحالات التي تطرق اليها التحقيق وضعية رجل اعمال اصيل ولاية صفاقس،أبلغ عن حالة فساد مالي، وضخ في خزينة الدولة ارباحا قدرت ب300 الف دينار ، لكن هذا الأخير تعرض الى شتى انواع التنكيل والاعتداءات المتكررة ويذكر ان موضوع الشكاية تعلقت بفساد في مشروع الطريق السريعة صفاقس -قابس.
السؤال الذي يطرح اليوم كيف سيكون موقف الياس الغربي من هذه التحقيقات المخفية؟ وكيف سيتعامل مع التحقيقات المصنصرة لبرنامج «ملفات ساخنة» خاصة بعد أن بلغنا أن الغربي على بيّنة من الأمر وعلم بوجود هذه التحقيقات؟؟

ملف من اعداد :سناء الماجري